فصل: أبواب صلاة التطوع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


الجزء الثالث

تابع كتاب الصلاة

 أبواب السترة أمام المصلي وحكم المرور دونها

 باب استحباب الصلاة إلى السترة والدنو منها والانحراف قليلًا عنها والرخصة في تركها

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

1- عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده محمد بن عجلان وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرج أبو داود من حديث سهل بن أبي حثمة بمعناه وأخرجه أيضًا النسائي قال أبو داود في سننه‏:‏ وقد اختلف في إسناده وقد بين ذلك الاختلاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصل إلى سترة‏)‏ فيه أن اتخاذ السترة واجب ويؤيده حديث أبي هريرة الآتي وحديث سبرة بن معبد الجهني عند الحاكم وقال على شرط مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليدن منها‏)‏ فيه مشروعية الدنو من السترة حتى يكون مقدار ما بينهما ثلاثة أذرع كما سيأتي‏.‏ والحكمة في الأمر من الدنو أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته كما أخرجه أبو داود في هذا الحديث متصلًا بقوله ‏(‏وليدن منها‏)‏‏.‏ والمراد بالشيطان المار بين يدي المصلي كما في حديث ‏(‏فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان‏)‏‏.‏ قال في شرح المصابيح‏:‏ معناه يدنو من السترة حتى لا يوسوس الشيطان عليه صلاته وسيأتي سبب تسمية المار شيطانًا والخلاف فيه‏.‏

2- وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سئل في غزوة تبوك عن سترة المصلى فقال‏:‏ كمؤخرة الرحل‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كمؤخرة الرحل‏)‏ قال النووي‏:‏ المؤخرة بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء مع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء ويقال آخرة الرحل بهمزة ممدودة وكسر الخاء فهذه أربع لغات وهي العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب من كور البعير وهي قدر عظم الذراع وهو نحو ثلثي ذراع‏.‏

والحديث يدل على مشروعية السترة قال النووي‏:‏ ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه‏.‏ قال العلماء‏:‏ والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها ومنع من يجتاز بقربه‏.‏

3- وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأمر بالحربة‏)‏ أي يأمر خادمه بحمل الحربة‏.‏ وفي لفظ لابن ماجه وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والناس‏)‏ بالرفع عطفًا على فاعل فيصلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان يفعل ذلك‏)‏ أي نصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار‏.‏

والحديث يدل على مشروعية اتخاذ السترة في الفضاء وملازمة ذلك في السفر وعلى أن السترة تحصل بكل شيء ينصب تجاه المصلي وإن دق‏)‏‏.‏

4- وعن سهل بن سعد قال‏:‏ ‏(‏كان بين مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وبين الجدار ممر شاة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي حديث بلال‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دخل الكعبة فصلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع‏)‏ رواه أحمد والنسائي ومعناه للبخاري من حديث ابن عمر‏.‏

حديث بلال رجاله رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبين الجدار‏)‏ أي جدار المسجد مما يلي القبلة وقد صرح بذلك البخاري في الاعتصام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ممر شاة‏)‏ بالرفع وكان تامة أو ناقصة والخبر محذوف أو الظرف الخبر وأعربه الكرماني بالنصب على أن الممر خبر كان واسمها نحو قدر المسافة قال‏:‏ والسياق يدل عليه‏.‏

وروى الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن يزيد ابن أبي عبيد عن سلمة‏:‏ ‏(‏كان المنبر على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنز‏)‏ وأصله في البخاري‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته يعني قدر ممر الشاة‏.‏ وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث ابن عمر عن بلال الذي أشار إليه المصنف‏.‏ ولفظه في البخاري عن نافع أن عبد اللَّه ‏(‏كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى فيه‏)‏ وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع‏.‏

وجمع بعضهم بأن ممر الشاة في حال القيام والثلاثة الأذرع في حال الركوع والسجود كذا قال ابن رسلان‏.‏ والظاهر أن الأمر بالعكس قال ابن الصلاح‏:‏ قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولا يخفى ما فيه‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وثلث ذراع أقرب إلى المعنى من ثلاثة أذرع‏.‏ قال البغوي‏:‏ استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف اهـ‏.‏

5- وعن طلحة بن عبيد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا فذكرنا ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ مثل مؤخرة الرحل يكون بين يدي أحدكم ثم لا يضره ما مر بين يديه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل مؤخرة الرحل‏)‏ قد تقدم ضبطه وتفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين يدي أحدكم‏)‏ هذا مطلق والأحاديث التي فيها التقدير بممر الشاة وبثلاثة أذرع مقيدة لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم لا يضر ما مر بين يديه‏)‏ لأنه قد فعل المشروع من الإعلام بأنه يصلي والمراد بقوله لا يضره الضرر الراجع إلى نقصان صلاة المصلي‏.‏ وفيه إشعار بأنه لا ينقص من صلاة من اتخذ سترة لمرور من مر بين يديه شيء وحصول النقصان إن لم يتخذ ذلك سيأتي الكلام فيه وقد قيد بما إذا كان منفردًا أو إمامًا وأما إذا كان مؤتمًا فسترة الإمام سترة له‏.‏

وقد بوب البخاري وأبو داود لذلك وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏سترة الإمام سترة لمن خلفه‏)‏ وفي إسناده سويد بن عاصم وقد تفرد به وهو ضعيف‏.‏ وأخرج نحوه عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفًا عليه‏.‏ وروى عبد الرزاق التفرقة بين من يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة عن عمر لأن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها لا سيما إن صلى إلى شارع المشاة‏.‏

6- وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطًا ولا يضره ما مر بين يديه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه والبيهقي وصححه أحمد وابن المديني فيما نقله ابن عبد البر في الاستذكار وأشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وغيرهم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأورده ابن الصلاح مثالًا للمضطرب ونوزع في ذلك‏.‏ قال في بلوغ المرام‏:‏ ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليجعل تلقاء وجهه شيئًا‏)‏ فيه أن السترة لا تختص بنوع بل بكل شيء ينصبه المصلي تلقاء وجهه يحصل به الامتثال كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلينصب‏)‏ بكسر الصاد أي يرفع أو يقيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عصا‏)‏ ظاهره عدم الفرق بين الرقيقة والغليظة ويدل على ذلك قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏استتروا في صلاتكم ولو بسهم‏)‏ الحديث المتقدم‏.‏ وقوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يجزئ من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة‏)‏ أخرجه الحاكم وقال على شرطهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم يكن معه عصا‏)‏ هكذا لفظ أبي داود وابن حبان‏.‏ ولفظ ابن ماجه‏:‏ ‏(‏فإن لم يجد‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليخط‏)‏ هذا لفظ ابن ماجه‏.‏ ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏فليخطط‏)‏ وصفة الخط ما ذكره أبو داود في سننه قال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال هكذا عرضًا مثل الهلال وسمعت مسددًا قال بل الخط بالطول اهـ فاختار أحمد أن يكون مقوسًا كالمحراب ويصلي إليه كما يصلي في المحراب واختار مسدد أن يكون مستقيمًا من بين يديه إلى القبلة قال النووي في كيفيته‏:‏ المختار ما قاله الشيخ أبو إسحاق إنه إلى القبلة لقوله في الحديث‏:‏ ‏(‏تلقاء وجهه‏)‏ واختار في التهذيب أن يكون من المشرق إلى المغرب ولم ير مالك ولا عامة الفقهاء الخط كذا قال القاضي عياض واعتذروا عن الحديث بأنه ضعيف مضطرب وقالوا الغرض الإعلام وهو لا يحصل بالخط‏.‏ واختلف قول الشافعي فروي عنه استحبابه وروي عنه عدم ذلك‏.‏ وقال جمهور أصحابه باستحبابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يضر ما مر بين يديه‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏ثم لا يضره ما مر أمامه‏)‏ ولفظ ابن حبان‏:‏ ‏(‏من مر أمامه‏)‏ وقد تقدم الكلام على هذا‏.‏

7- وعن المقداد بن الأسود أنه قال‏:‏ ‏(‏ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيسر أو الأيمن ولا يصمد له صمدًا‏)‏‏.‏

8-وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء‏)‏‏.‏

رواهما أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث الأول في إسناده أبو عبيدة الوليد بن كامل البجلي الشامي قال المنذري‏:‏ وفيه مقال‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ لين الحديث‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي قال المنذري‏:‏ وذكر بعضهم أن في إسناده مقالًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى عود‏)‏ هو واحد العيدان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا عمود‏)‏ هو واحد العمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأيسر أو الأيمن‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ ولعل الأيمن أولى ولهذا بدأ به في الحديث يعني في رواية أبي داود وعكس ذلك المصنف ولعلها رواية أحمد ويكفي في دعوى الأولوية حديث ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله‏)‏‏.‏

وفي الحديث استحباب أن تكون السترة على جهة اليمين أو اليسار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يصمد‏)‏ بفتح أوله وضم ثالثه والصمد في اللغة القصد يقال اصمد صمد فلان أي أقصد قصده أي لا يجعله قصده الذي يصلي إليه تلقاء وجهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى في فضاء ليس بين يديه شيء‏)‏ فيه دليل على أن اتخاذ السترة غير واجب فيكون قرينة لصرف الأوامر إلى الندب ولكنه قد تقرر في الأصول أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وتلك الأوامر السابقة خاصة بالأمة فلا يصلح هذا الفعل أن يكون قرينة لصرفها‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ اعلم أن ظاهر أحاديث الباب عدم الفرق بين الصحاري والعمران وهو الذي ثبت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من اتخاذه السترة سواء كان في الفضاء أو في غيره وحديث أنه كان بين مصلاه وبين الجدار ممر شاة ظاهر أن المراد في مصلاه في مسجده لأن الإضافة للعهد وكذلك حديث صلاته في الكعبة المتقدم فلا وجه لتقييد مشروعية السترة بالفضاء‏.‏

 باب دفع المار وما عليه من الإثم والرخصة في ذلك للطائفين بالبيت

1- عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

2- وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع‏)‏ هذا مطلق مقيد بما في حديث أبي سعيد من قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره‏)‏ فلا يجوز الدفع والمقاتلة إلا لمن كان له ستر‏.‏ قال النووي‏:‏ واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يدع أحدًا يمر بين يديه‏)‏ ظاهر النهي التحريم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أبى فليقاتله‏)‏ وفيه أنه يدافعه أولًا بما دون القتل فيبدأ بأسهل الوجوه ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد إلى حد القتل‏.‏

قال القاضي عياض والقرطبي‏:‏ وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة واستبعد ذلك ابن العربي وقال‏:‏ المراد بالمقاتلة المدافعة وأغرب الباجي فقال‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف وتعقبه الحافظ بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير وقد روى الإسماعيلي بلفظ‏:‏ ‏(‏فإن أبى فليجعل يده في صدره وليدفعه‏)‏ وهو صريح في الدفع باليد وكذلك فعل أبو سعيد بالغلام الذي أراد أن يجتاز بين يديه فإنه دفعه في صدره ثم عاد فدفعه أشد من الأولى كما في البخاري وغيره‏.‏ ونقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل تجب دية أم يكون هدرًا مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك وحكى القاضي عياض وابن بطال الإجماع على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه إعادة للمرور‏.‏ قال‏:‏ وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك‏.‏

قال النووي‏:‏ لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع وتعقبه الحافظ بأنه قد صرح بوجوبه أهل الظاهر اهـ‏.‏ وظاهر الحديث معهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن معه القرين‏)‏ في القاموس القرين المقارن والصاحب والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه وهو المراد هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما هو شيطان‏)‏ قال الحافظ‏:‏ إطلاق الشيطان على المار من الإنس شائع ذائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى ‏{‏شياطين الإنس والجن‏}‏ وسبب إطلاقه عليه أنه فعل فعل الشيطان‏.‏ وقيل معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو مبني على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الإنسي ومجازًا على الجني وفيه بحث‏.‏ وقيل المراد بالشيطان القرين كما في الحديث الأول‏.‏

وقد استنبط ابن أبي جمرة من قوله ‏(‏فإنما هو شيطان‏)‏ أن المراد بالمقاتلة المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال لأن مقابلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها قال‏:‏ وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور أو لدفع الإثم عن المار الظاهر الثاني اهـ‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقال غيره بل الأول أظهر لأن إقبال المصلي على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره‏.‏ وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته‏.‏ وروى أبو نعيم عن عمر‏:‏ لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس‏.‏ قال‏:‏ فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ولا يختص بالمار وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع لأن مثلهما لا يقال بالرأي اهـ‏.‏

2- وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللَّه عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم عبد اللَّه بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه‏)‏ قال أبو النضر‏:‏ لا أدري قال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماذا عليه‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏من الإثم‏)‏ تفرد بها الكشميهني‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا قال‏:‏ فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلًا وقد أنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لكان أن يقف أربعين‏)‏ يعني لو علم المار مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم فجواب لو قوله لكان أن يقف‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ جواب لو ليس هو المذكور بل التقدير لو يعلم ما عليه لوقف أربعين ولو وقف أربعين لكان خيرًا له‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وليس ما قاله متعينًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعين‏)‏ ذكر الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين إحداهما كون الأربعة أصل جميع الأعداد فلما أريد التكثير ضربت في عشرة‏.‏ ثانيهما كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة وكذا بلوغ الأشد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ويحتمل غير ذلك‏.‏

وفي سنن ابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏لكان أن يقف مائة عام خيرًا له من الخطوة التي خطاها‏)‏ وهذا مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين‏.‏ وفي مسند البزار لكان أن يقف أربعين خريفًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيرًا له‏)‏ روي بالنصب على أنه خبر كان وبالرفع على أنه اسم كان وهي رواية الترمذي‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو النضر‏)‏ إلى آخره فيه إبهام ما على المار من الإثم زجرًا له‏.‏

والحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة‏.‏

4- وعن المطلب ابن أبي وداعة أنه‏:‏ ‏(‏رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ورواه ابن ماجه والنسائي ولفظهما‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحازي بالركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد‏)‏‏.‏

الحديث من رواية كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده ففي إسناده مجهول والمطلب وأبوه لهما صحبة وهما من مسلمة الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والناس يمرون بين يديه‏)‏ فيه دليل على أن مرور المار بين يدي المصلي مع عدم اتخاذ السترة لا يبطل صلاته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس بينهما سترة‏)‏ قال سفيان‏:‏ يعني ليس بينه وبين الكعبة سترة ‏(‏وفيه دليل‏)‏ على عدم وجوب السترة لكن قد عرفت أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سبعه‏)‏ بضم السين المهملة وسكون الباء بعدها عين مهملة أي مر أشواطه السبعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حاشية المطاف‏)‏ أي جانبه‏.

 باب من صلى وبين يديه إنسان أو بهيمة

1- عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلاته من الليل‏)‏ أي صلاة التطوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا معترضة بينه وبين القبلة‏)‏ زاد أبو داود‏:‏ ‏(‏راقدة‏)‏ وفيه دلالة على جواز الصلاة إلى النائم من غير كراهة‏.‏

وقد ذهب مجاهد وطاوس ومالك والهادوية إلى كراهة الصلاة إلى النائم خشية ما يبدو منه مما يلهي المصلي عن صلاته واستدلوا بحديث ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تصلوا خلف النائم والمتحدث‏)‏ وقال أبو داود‏:‏ طرقه كلها واهية وقال النووي‏:‏ هو ضعيف باتفاق الحفاظ‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة عند الطبراني وعن ابن أبي عمر عند ابن عدي وهما واهيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أراد أن يوتر‏)‏ فيه مشروعية جعل الوتر آخر صلاة الليل وسيأتي الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأوترت‏)‏ فيه دليل على ما قاله النووي في شرح المهذب أن من لم يكن له تهجد ووثق باستيقاظه آخر الليل فيستحب له تأخير الوتر ليفعله آخر الليل وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى البحث عن ذلك‏.‏

وفي الحديث دليل على أن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتي أيضًا الكلام فيه‏.‏ قال المصنف بعد أن ساقه‏:‏ وهو حجة في جواز الصلاة إلى النائم اهـ‏.‏

2- وعن ميمونة‏:‏ ‏(‏أنها كانت تكون حائضًا لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏حيال مصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ وفي أخرى له‏:‏ ‏(‏وأنا إلى جنبه نائمة‏)‏ ومعنى الروايات واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي مفترشة‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏وأنا على فراشي‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على خمرته‏)‏ هي السجادة وقد تقدم ضبطها وتفسيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصابني بعض ثوبه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏أصابني ثوبه‏)‏ وفي أخرى له‏:‏ ‏(‏أصابني ثيابه‏)‏ وفي أخرى له‏:‏ ‏(‏فربما وقع ثوبه‏)‏ وفي أخرى له أيضًا‏:‏ ‏(‏فربما وقع ثيابه‏)‏‏.‏

الحديث يدل على أنه لا كراهة إذا أصاب ثوب المصلي امرأته الحائض وقد تقدم الكلام في ذلك وساقه المصنف هنا للاستدلال به على صحة صلاة من صلى وبين يديه إنسان ولا دلالة في الحديث على ذلك لأن غاية ما فيه أنها كانت بحذاء مسجده صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو لا يستلزم أن تكون بين يديه وقد استدل به على أن المرأة لا تقطع الصلاة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هذا الحديث وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته تدل على جواز القعود لا على جواز المرور‏.‏

وعن الفضل بن عباس قال‏:‏ ‏(‏زار النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عباسًا في بادية لنا ولنا كليبة وحمارة ترعى فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم العصر وهما بين يديه فلم يؤخرا ولم يزجرا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏ ولأبي داود معناه‏.‏

الحديث في إسناده عند أبي داود والنسائي محمد بن عمر بن علي والعباس بن عبيد اللَّه بن العباس وهما صدوقان‏.‏ وقال المنذري‏:‏ ذكر بعضهم أن في إسناده مقالًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زار النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ فيه مشروعية زيارة الفاضل للمفضول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بادية لنا‏)‏ البادية البدو وهو خلاف الحضر‏.‏

قوله ‏(‏كليبة‏)‏ بلفظ التصغير ورواية أبي داود ‏(‏كلبة‏)‏ بالتكبير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحمارة‏)‏ قال في المفاتيح‏:‏ التاء في حمارة وكلبة للإفراد كما يقال تمر وتمرة ويجوز أن تكون للتأنيث‏.‏ قال الجوهري‏:‏ وربما قالوا حمارة والأكثر أن يقال للأنثى أتان‏.‏

الحديث استدل به على أن الكلب والحمار لا يقطعان الصلاة‏.‏

وقد اختلفت في ذلك وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا وليس في هذا الحديث ذكر نعت الكلب بكونه أسود ولا ذكر أنهما مرا بين يديه وكونهما بين يديه لا يستلزم المرور الذي هو محل النزاع‏.‏

 باب ما يقطع الصلاة بمروره

1- عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ومسلم وزاد‏:‏ ‏(‏وبقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل‏)‏‏.‏

2- وعن عبد اللَّه بن مغفل عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

3- وعن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود قلت‏:‏ يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال‏:‏ يا ابن أخي سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

حديث عبد اللَّه بن مغفل رواه ابن ماجه من طريق جميل بن الحسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات‏.‏

وفي الباب عن الحكم الغفاري عند الطبراني في المعجم الكبير بلفظ حديث عبد اللَّه بن مغفل‏.‏

وعن أنس عند البزار بلفظ‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات‏.‏

وعن أبي سعيد أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض‏)‏ ولم يقل أبو داود الأسود‏.‏ وقد روي موقوفًا على ابن عباس‏.‏ وعن ابن عباس حديث آخر مرفوع عند أبي داود وزاد فيه الخنزير واليهودي والمجوسي‏.‏

وقد صرح أبو داود أن ذكر الخنزير والمجوسي فيه نكارة قال‏:‏ ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد ابن إسماعيل وأحسبه وهم لأنه كان يحدثنا من حفظه اهـ‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو عند أحمد قال‏:‏ ‏(‏بينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ببعض أعلى الوادي يريد أن يصلي قد قام وقمنا إذ خرج علينا حمار من شعب فأمسك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده‏)‏‏.‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن عائشة عند أحمد قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار والكافر والكلب والمرأة لقد قرنا بدواب سوء‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة والمراد بقطع الصلاة إبطالها وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه وحكي أيضًا عن أبي ذر وابن عمر وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار‏.‏

وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود‏.‏ ومن الأئمة أحمد بن حنبل فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري وحكى الترمذي عنه أنه يخصص بالكلب الأسود ويتوقف في الحمار والمرأة‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو أجود مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار وذهب أهل الظاهر أيضًا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه سواء كان الكلب والحمار مارًا أم غير مار وصغيرًا أو كبيرًا حيًا أم ميتًا وكون المرأة بين يدي الرجل مارة أم غير مارة صغيرة أم كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة‏.‏

وذهب إلى أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح واستدلا بالحديث السابق عند أبي داود وابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض‏)‏ ولا عذر لمن يقول بحمل المطلق على المقيد من ذلك وهم الجمهور‏.‏

وأما من يعمل بالمطلق وهم الحنفية وأهل الظاهر فلا يلزمهم ذلك وقال ابن العربي‏:‏ إنه لا حجة لمن قيد بالحائض لأن الحديث ضعيف قال‏:‏ وليست حيضة المرأة في يدها ولا بطنها ولا رجلها قال العراقي‏:‏ إن أراد بضعفه ضعف رواته فليس كذلك فإن جميعهم ثقات وإن أراد به كون الأكثرين وقفوه على ابن عباس فقد رفعه شعبة ورفع الثقة مقدم على وقف من وقفه وإن كانوا أكثر على القول الصحيح في الأصول وعلوم الحديث انتهى‏.‏

وروي عن عائشة أنها ذهبت إلى أنه يقطعها الكلب والحمار والسنور دون المرأة ولعل دليلها على ذلك ما روته من اعتراضها بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما تقدم‏.‏

وقد عرفت أن الاعتراض غير المرور وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن المرأة تقطع الصلاة فهي محجوجة بما روت‏.‏ ويمكن الاستدلال بحديث أم سلمة الآتي وسيأتي ما عليه‏.‏

وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنه يقطعها الكلب الأسود فقط وحكاه ابن المنذر عن عائشة ودليل هذا القول أن حديث ابن عباس الآتي أخرج الحمار وحديث أم سلمة الآتي أيضًا‏.‏

وكذلك حديث عائشة المتقدم أخرج المرأة والتقييد بالأسود أخرج ما عداه من الكلاب‏.‏

وحديث أن الخنزير والمجوسي واليهودي يقطع لا تقوم بمثله حجة كما تقدم‏.‏ وفيه أن حديث عائشة المتقدم مشتمل على ذكر الكافر ورجال إسناده ثقات كما عرفت‏.‏ وذهب مالك والشافعي وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف ورواه المهدي في البحر عن العترة أنه لا يبطل الصلاة مرور شيء‏.‏

قال النووي‏:‏ وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي النسخ بالحديث الآخر ‏(‏لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استطعتم‏)‏ قال‏:‏ وهذا غير مرضي لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرنا مع أن حديث ‏(‏لا يقطع صلاة المرء شيء‏)‏ ضعيف انتهى‏.‏

وروي القول بالنسخ عن الطحاوي وابن عبد البر واستدلا على تأخر تاريخ حديث ابن عباس الآتي بأنه كان في حجة الوداع وهي في سنة عشر وفي آخر حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعلى تأخر حديث عائشة وحديث ميمونة المتقدمين‏.‏

وحديث أم سلمة الآتي بأن ما حكاه زوجاته عنه يعلم تأخره لكونه صلاته بالليل عندهن ولم يزل على ذلك حتى مات خصوصًا مع عائشة مع تكرر قيامه في كل ليلة فلو حدث شيء مما يخالف ذلك لعلمن به وعلى تسليم صحة هذا الاستدلال على التأخر لا يتم به المطلوب من النسخ أما أولًا فقد عرفت أن حديث عائشة وميمونة خارجان عن محل النزاع وحديث أم سلمة أخص من المتنازع فيه لأن الذي فيه مرور الصغيرة بين يديه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث ابن عباس ليس فيه إلا مرور الأتان فهو أخص من الدعوى‏.‏ وأما ثانيًا فالخاص بهذه الأمور لا يصلح لنسخ ما اشتمل على زيادة عليها لما تقرر من وجوب بناء العام على الخاص مطلقًا‏.‏ وأما ثالثًا فقد أمكن الجمع بما تقدم‏.‏

وأما رابعًا فيمكن الجمع أيضًا بأن يحمل حديث عائشة وميمونة وأم سلمة على صلاة النفل وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض على أنه لم ينقل أنه اجتزأ بتلك الصلاة أو يحمل على أن ذلك وقع في غير حالة الحيض والحكم بقطع صلاة المرأة للصلاة إنما هو إذا كانت حائضًا كما تقدم‏.‏

وأيضًا قد عرفت أن وقوع ثوبه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ميمونة لا يستلزم أنها بين يديه فضلًا عن أن يستلزم المرور وكذلك اعتراض عائشة لا يستلزم المرور ويحمل حديث ابن عباس على أن صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت إلى سترة مع وجود السترة لا يضر مرور شيء من الأشياء المتقدمة كما يدل على ذلك قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏وبقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل‏)‏ وقوله في حديث أبي ذر‏:‏ ‏(‏فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل‏)‏ ولا يلزم نفي الجدار كما سيأتي في حديث ابن عباس نفي سترة أخرى من حربة أو غيرها كما ذكره العراقي‏.‏

ويدل على هذا أن البخاري بوب على هذا الحديث باب سترة الإمام سترة لمن خلفه فاقتضى ذلك أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي إلى سترة لا يقال قد ثبت في بعض طرقه عند البزار بإسناد صحيح بلفظ‏:‏ ‏(‏ليس شيء بسترة تحول بيننا وبينه‏)‏ لأنا نقول لم ينف السترة مطلقًا إنما نفى السترة التي تحول بينهم وبين الجدار المرتفع الذي يمنع الرؤية بينهما وقد صرح بمثل هذا العراقي ولو سلم أن هذا يدل على نفي السترة مطلقًا لأمكن الجمع بوجه آخر ذكره ابن دقيق العيد وهو أن قول ابن عباس كما سيأتي ولم ينكر ذلك على أحد ولم يقل ولم ينكر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك يدل على أن المرور كان بين يدي بعض الصف ولا يلزم من ذلك إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لجواز أن يكون الصف ممتدًا ولا يطلع عليه‏.‏

ـ لا يقال ـ إن قوله أحد يشمل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأنه لا معنى للاستدلال بعدم الإنكار من غير النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع حضرته ولو سلم إطلاعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك كما ورد في بعض روايات الصحيح بلفظ فلم ينكر ذلك علي بالبناء للمجهول لم يكن ذلك دليلًا على الجواز لأن ترك الإنكار إنما كان لأجل أن الإمام سترة للمؤتمين كما تقدم وسيأتي ولا قطع مع السترة لما عرفت ولو سلم صحة الاستدلال بهذا الحديث على الجواز وخلوصه من شوائب هذه الاحتمالات لكان غايته أن الحمار لا يقطع الصلاة ويبقى ما عداه‏.‏

ـ وأما الاستدلال ـ بحديث لا يقطع الصلاة شيء فستعرف عدم انتهاضه للاحتجاج ولو سلم انتهاضه فهو عام مخصص بهذه الأحاديث أما عند من يقول إنه يبنى العام على الخاص مطلقًا فظاهر وعند من يقول إن العام المتأخر ناسخ فلا تأخر لعدم العلم بالتاريخ ومع عدم العلم يبنى العام على الخاص عند الجمهور‏.‏ وقد ادعى أبو الحسين الإجماع على ذلك‏.‏

وأما على القول بالتعارض بين العام والخاص مع جهل التاريخ كما هو مذهب جمهور الزيدية والحنفية والقاضي عبد الجبار والباقلاني فلا شك أن الأحاديث الخاصة فيما نحن بصدده أرجح من هذا الحديث العام إذا تقرر لك ما أسلفنا عرفت أن الكلب الأسود والمرأة الحائض يقطعان الصلاة ولم يعارض الأدلة القاضية بذلك معارض إلا ذلك العموم على المذهب الثاني وقد عرفت أنه مرجوح‏.‏

وكذلك يقطع الصلاة الخنزير والمجوسي واليهودي إن صح الحديث الوارد بذلك وقد تقدم ما يؤيده ويبقى النزاع في الحمار وقد أسلفنا في ذلك ما فيه كفاية‏.‏ وأما المرأة غير الحائض والكلب الذي ليس بأسود فقد عرفت الكلام فيهما انتهى‏.‏

4- وعن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي في حجرتها فمر بين يديه عبد اللَّه أو عمر فقال بيده هكذا فرجع فمرت ابنة أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ هن أغلب‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده مجهول وهو قيس المدني والد محمد بن قيس القاص وبقية رجاله ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد اللَّه أو عمر‏)‏ يعني ابني أبي سلمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ابنة أم سلمة‏)‏ تعني زينب بنت أبي سلمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هن أغلب‏)‏ أي لا ينتهين لجهلهن‏.‏

والحديث يدل على أن مرور الجارية لا يقطع الصلاة والاستدلال به على ذلك لا يتم إلا بعد تسليم أنه لم يكن له صلى اللَّه عليه وآله وسلم سترة عند مرورها وأنه اعتد بتلك الصلاة وقد عرفت بقية الكلام على ذلك في شرح الأحاديث التي قبله‏.‏

5- وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استطعتم فإنما هو شيطان‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث في إسناده مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم حديثًا مقرونًا بجماعة من أصحاب الشعبي‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند الدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر قالوا‏:‏ لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرأ ما استطعت‏)‏ وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف‏.‏

قال العراقي‏:‏ والصحيح عن ابن عمر ما رواه مالك في الموطأ من قوله إنه كان يقول‏:‏ ‏(‏لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي‏)‏‏.‏ وأخرج الدارقطني عنه بإسناد صحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يقطع صلاة المسلم شيء‏)‏‏.‏

وفي الباب أيضًا عن أنس عند الدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة‏:‏ سبحان اللَّه سبحان اللَّه فلما سلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من المسبح آنفًا قال‏:‏ أنا يا رسول اللَّه إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة قال‏:‏ لا يقطع الصلاة شيء‏)‏ وإسناده ضعيف كما قال الحافظ في الفتح‏.‏

وعن جابر عند الطبراني في الأوسط بلفظ‏:‏ قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استعطتم‏)‏ وفي إسناده يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف‏.‏

وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير والدارقطني قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقطع الصلاة شيء‏)‏ وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف‏.‏ وعن أبي هريرة عند الدارقطني قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقطع صلاة المرء امرأة ولا كلب ولا حمار وادرأ ما استطعت‏)‏ وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة فإن صح كان صالحًا للاستدلال به على النسخ إن صح تأخر تاريخه‏.‏

وأما بقية أحاديث الباب فلا تصلح لذلك لأنها على ما فيها من الضعف عمومات مجهولة التاريخ وقد قدمنا كيفية العمل فيها على ما يقتضيه الأصول‏.‏

وقد أخرج سعيد بن منصور عن علي عليه السلام وعثمان وغيرهما من أقوالهم نحو أحاديث الباب بأسانيد صحيحة‏.‏

6- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليَّ أحد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏على أتان‏)‏ الأتان بهمزة مفتوحة وتاء مثناة من فوق الأنثى من الحمير ولا يقال أتانة‏.‏ والحمار يطلق على الذكر والأنثى كالفرس‏.‏ وفي بعض طرق البخاري على حمار أتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناهزت الاحتلام‏)‏ أي قاربته من قولهم نهز أي نهض يقال ناهز الصبي البلوغ أي داناه‏.‏

وقد أخرج البزار بإسناد صحيح أن هذه القصة كانت في حجة الوداع كما تقدم ففيه دليل على أن ابن عباس كان في حجة الوداع دون البلوغ قال العراقي‏:‏ وفد اختلف في سنه حين توفي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقيل ثلاث عشرة ويدل له قولهم إنه ولد في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين‏.‏ وقيل كان عمره عشر سنين وهو ضعيف وقيل خمس عشرة قال أحمد‏:‏ إنه الصواب انتهى‏.‏

وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال‏:‏ ‏(‏سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين يدي بعض الصف‏)‏ زاد البخاري في الحج ‏(‏حتى سرت بين يدي بعض الصف‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم ينكر ذلك عليَّ أحد‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ولم يستدل بترك إعادتهم الصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وتوجيهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معًا‏.‏

والحديث استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة وإنه ناسخ لحديث أبي ذر المتقدم ونحوه لكون هذه القصة في حجة الوداع وقد تعقب بما قدمنا في شرح أحاديث أول الباب وحكى الحافظ عن ابن عبد البر أنه قال‏:‏ حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه‏)‏ فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا قال‏:‏ وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء وكذا نقل القاضي عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام بنفسه انتهى‏.‏

إذا تقرر الإجماع على أن الإمام أو سترته سترة للمؤتمين وتقرر بالأحاديث المتقدمة أن الحمار ونحوه إنما يقطع مع عدم اتخاذ السترة تبين بذلك عدم صلاحية حديث ابن عباس للاحتجاج به على أن الحمار لا يقطع الصلاة لعدم تناوله لمحل النزاع وهو القطع مع عدم السترة ولو سلم تناوله لكان المتعين الجمع بما تقدم‏.

 أبواب صلاة التطوع

 

باب سنن الصلاة الراتبة المؤكدة

1- عن عبد اللَّه بن عمر قال‏:‏ ‏(‏حفظت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الغداة كانت ساعة لا أدخل على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيها فحدثتني حفصة أنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وعن عبد اللَّه بن شقيق قال‏:‏ ‏(‏سألت عائشة عن صلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ثنتين‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود بمعناه لكن ذكروا فيه قبل الظهر أربعًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حفظت‏)‏ في لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏سجدتين‏)‏ مكان ركعتين في جميع أطراف الحديث والمراد بهما الركعتان وقد ساقه البخاري في باب الركعتين قبل الظهر بنحو اللفظ الذي ذكره المصنف هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين قبل الظهر‏)‏ في الحديث الآخر أربع قبل الظهر‏.‏ قال الداودي‏:‏ وقع في حديث ابن عمر أن قبل صلاة الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعًا وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى قال‏:‏ ويحتمل أن ينسى ابن عمر ركعتين من الأربع‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعًا‏.‏ وقيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعًا ويحتمل أنه كان يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين‏.‏

ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة أنه كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعًا ثم يخرج‏.‏

قال أبو جعفر الطبري‏:‏ الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركعتين بعد المغرب‏)‏ زاد البخاري‏:‏ ‏(‏في بيته‏)‏ وفي لفظ له‏:‏ ‏(‏فأما المغرب والعشاء ففي بيته‏)‏ وقد استدل بذلك على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار وحكي ذلك عن مالك والثوري‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي الاستدلال به لذلك نظر والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبًا وبالليل يكون في بيته غالبًا‏.‏

وروي عن ابن أبي ليلى أنها لا تجزئ صلاة سنة المغرب في المسجد واستدل بحديث محمود بن لبيد مرفوعًا‏:‏ ‏(‏أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت‏)‏ وحكي ذلك لأحمد فاستحسنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركعتين بعد العشاء‏)‏ زاد البخاري‏:‏ ‏(‏في بيته‏)‏ وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركعتين قبل الغداة‏)‏ إلى آخره فيه أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين لا أصل المشروعية كذا قال الحافظ‏.‏

والحديثان يدلان على مشروعية ما اشتملا عليه من النوافل وأنها مؤقتة واستحباب المواظبة عليها وإلى ذلك ذهب الجمهور وقد روي عن مالك ما يخالف ذلك‏.‏

وذهب الجمهور أيضًا إلى أنه لا وجوب لشيء من رواتب الفرائض وروي عن الحسن البصري القول بوجوب ركعتي الفجر‏.‏

3- وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صلى من يوم وليلة ثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ ولفظ الترمذي‏:‏ ‏(‏من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر‏)‏ وللنسائي حديث أم حبيبة كالترمذي لكن قال‏:‏ ‏(‏وركعتين قبل العصر‏)‏ ولم يذكر ركعتين بعد العشاء‏.‏

الحديث قال الترمذي بعد أن ساقه بهذا التفسير‏:‏ حسن صحيح وقد فسره أيضًا ابن حبان وقد ساقه بهذا التفسير الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه بلفظ‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى اللَّه له بيتًا في الجنة ركعتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين أظنه قال قبل العصر وركعتين بعد المغرب أظنه قال وركعتين بعد العشاء الآخرة‏)‏ وفي إسناده محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف‏.‏

وعن أبي موسى عند أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو حديث أم حبيبة بدون التفسير‏.‏

وأحاديث الباب تدل على تأكيد صلاة هذه الاثنتي عشرة ركعة وهي من السنن التابعة للفرائض‏.‏

وقد اختلف في حديث أم حبيبة كما ذكر المصنف فالترمذي أثبت ركعتين بعد العشاء ولم يثبت ركعتين قبل العصر والنسائي عكس ذلك وحديث عائشة فيه إثبات الركعتين بعد العشاء دون الركعتين قبل العصر‏.‏

وحديث أبي هريرة فيه إثبات ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء ولكنه لم يثبت قبل الظهر إلا ركعتين والمتعين المصير إلى مشروعية جميع ما اشتملت عليه هذه الأحاديث وهو وإن كان أربع عشرة ركعة‏.‏

والأحاديث مصرحة بأن الثواب يحصل باثنتي عشرة ركعة لكنه لا يعلم الإتيان بالعدد الذي نص عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الأوقات التي جاء التفسير بها إلا بفعل أربع عشرة ركعة لما ذكرنا من الاختلاف‏.‏

 

باب فضل الأربع قبل الظهر وبعدها وقبل العصر وبعد العشاء

عن أم حبيبة قالت‏:‏ سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعًا بعدها حرمه اللَّه على النار‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

الحديث من رواية مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة وقد قال أبو زرعة وهشام بن عمار وأبو عبد الرحمن النسائي‏:‏ إن مكحولًا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان كذا قال المنذري‏.‏ وقد أعله ابن القطان وأنكره أبو الوليد الطيالسي وأما الترمذي فصححه كما قال المصنف لكن من طريق أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة‏.‏

قال المنذري والقاسم‏:‏ هذا اختلف فيه فمنهم من يضعف روايته ومنهم من يوثقه انتهى‏.‏

وقد روي عن ابن حبان أنه صححه ورواه الترمذي أيضًا عن محمد بن عبد اللَّه الشعيثي عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏

وهذه متابعة لمكحول والشعيثي المذكور وثقه دحيم والمفضل بن غسان العلائي والنسائي وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حرمه اللَّه على النار‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏لم تمسه النار‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏حرم على النار‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏حرم اللَّه لحمه على النار‏)‏ وقد اختلف في معنى ذلك هل المراد أنه لا يدخل النار أصلًا أو أنه وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار أو إنه يحرم على النار أن تستوعب أجزاءه وإن مست بعضه كما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏فتمس وجهه النار أبدًا‏)‏ وهو موافق لقوله في الحديث الصحيح ‏(‏وحرم على النار أن تأكل مواضع السجود‏)‏ فيكون قد أطلق الكل وأريد البعض مجازًا والحمل على الحقيقة أولى وأن اللَّه تعالى يحرم جميعه على النار وفضل اللَّه تعالى أوسع ورحمته أعم‏.‏

والحديث يدل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده وكفى بهذا الترغيب باعثًا على ذلك‏.‏

وظاهر قوله ‏(‏من صلى‏)‏ أن التحريم على النار يحصل بمرة واحدة ولكنه قد أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما بلفظ‏:‏ ‏(‏من حافظ‏)‏ فلا يحرم على النار إلا المحافظ‏.‏

2- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ رحم اللَّه امرأ صلى قبل العصر أربعًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن خزيمة وفي إسناده محمد بن مهران وفيه مقال ولكنه قد وثقه ابن حبان وابن عدي‏.‏

وفي الباب عن علي رضي اللَّه عنه عند أهل السنن بلفظ‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم‏)‏‏.‏

وزاد الترمذي والنسائي وابن ماجه‏:‏ ‏(‏على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين‏)‏ وله حديث آخر بمعناه عند الطبراني في الأوسط‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار‏)‏‏.‏

وعن أبي هريرة عند أبي نعيم قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات قبل العصر غفر اللَّه له‏)‏ وهو من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه‏.‏

وعن أم حبيبة عند أبي يعلى بلفظ‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من حافظ على أربع ركعات قبل العصر بنى اللَّه له بيتًا في الجنة‏)‏ وفي إسناده محمد بن سعيد المؤذن قال العراقي‏:‏ لا أدري من هو‏.‏

وعن أم سلمة عند الطبراني في الكبير عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم اللَّه بدنه على النار‏)‏‏.‏

والأحاديث المذكورة تدل على استحباب أربع ركعات قبل العصر والدعاء منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالرحمة لمن فعل ذلك والتصريح بتحريم بدنه على النار مما يتنافس فيه المتنافسون‏.‏

3- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏ما صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم العشاء قط فدخل عليَّ إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث رجال إسناده ثقات ومقاتل بن بشير العجلي قد وثقه ابن حبان وقد أخرجه أيضًا النسائي وقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏بتُ في بيت خالتي ميمونة‏)‏ الحديث‏.‏ وفيه‏:‏ ‏(‏فصلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات‏)‏‏.‏

وروى محمد بن نصر في قيام الليل والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة قرأ في الركعتين الأولتين قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد وفي الركعتين الآخرتين تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر‏)‏‏.‏

وفي إسناده أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي ضعفه الجمهور‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ محله الصدق‏.‏ وقال البخاري‏:‏ مقارب الحديث‏.‏

وروى محمد بن نصر من حديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى العشاء الآخرة ثم صلى أربع ركعات حتى لم يبق في المسجد غيري وغيره‏)‏ وفيه المنهال بن عمر وقد اختلف فيه‏.‏

وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من صلى العشاء الآخرة في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر‏)‏ قال العراقي‏:‏ ولم يصح وأكثر الأحاديث أن ذلك كان في البيت ولم يرد التقييد بالمسجد إلا في حديث ابن عباس وحديث ابن عمر المذكورين‏.‏

فأما حديث ابن عمر فقد تقدم ما قال العراقي فيه‏.‏ وأما حديث ابن عباس ففي إسناده من تقدم‏.‏

قال العراقي‏:‏ وعلى تقدير ثبوته فيكون قد وقع ذلك منه لبيان الجواز أو لضرورة له في المسجد اقتضت ذلك‏.‏

والحديث يدل على مشروعية صلاة أربع ركعات أو ست ركعات بعد صلاة العشاء وذلك من جملة صلاة الليل وسيأتي الكلام فيها‏.‏

4- وعن البراء بن عازب عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صلى قبل الظهر أربعًا كان كأنما تهجد من ليلته ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر‏)‏‏.‏

رواه سعيد بن منصور في سننه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط باللفظ الذي ذكره المصنف وهو من رواية ناهض بن سالم الباهلي قال حدثنا عمار أبو هاشم عن الربيع بن لوط عن عمه البراء بن عازب عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعمار والربيع ثقتان‏.‏ وأما ناهض فقال العراقي‏:‏ لم أر لهم فيه جرحًا ولا تعديلًا ولم أجد له ذكرًا انتهى‏.‏

وأخرج الطبراني عن البراء حديثًا آخر وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ‏.‏

وفي الباب عن أنس عند الطبراني أيضًا بلفظ‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر‏)‏ وفي إسناده يحيى بن عقبة وليس بثقة قاله النسائي وغيره‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ليس بشيء‏.‏

والحديث يدل على مشروعية أربع قبل الظهر وقد تقدم الكلام فيها وعلى مشروعية أربع بعد العشاء وقد قدمنا ما في ذلك من الأحاديث‏.‏